(فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) المراد بالنجوى
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
جاء في سورة يوسف الآية 100 في القرآن الكريم: “فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى”. وتأتي هذه الآية الكريمة في سياق قصة سيدنا يوسف التي سردها علينا القرآن الكريم، حيث تتناول قصة الفتنة العظيمة التي تعرض لها سيدنا يوسف من إخوته، والتي انتهت بأن أسروه ثم باعوه عبدًا.
المراد بأسرّوا النجوى
النجوى لغةً تعني الكلام الخفي، أما اصطلاحًا فهي الكلام السري الذي يُدار بين شخصين أو أكثر، دون أن يعلمه الآخرون، وفعل أسروا هنا يدل على إخفاء الأمر.
في الآية الكريمة، يشير المراد بأسرّوا النجوى إلى اجتماع إخوة يوسف بعد أن تخلصوا منه سرًا، وتدارسهم لأمر يوسف ومصيره، وما ينبغي أن يفعلوا به. فقد اجتمعوا وتهامسوا فيما بينهم، وخططوا للتخلص من يوسف دون علم أبيهم يعقوب.
مظاهر النجوى في قصة سيدنا يوسف
تجلت مظاهر النجوى في قصة سيدنا يوسف في عدة مواقف، منها:
نجوى إخوة يوسف بعد أن أسروه: بعد أن تخلصوا من يوسف، اجتمع إخوته وتناقشوا حول كيفية إخفاء أمره عن أبيهم يعقوب، واتفقوا على أن يلقوا قميصه ملطخًا بالدماء ويُخبروا والدهم بأن ذئبًا قد أكله.
نجوى إخوة يوسف بعد أن باعوه عبدًا: بعد أن باعوا يوسف عبدًا، تهامسوا بينهم بأنهم سيخبرون أباهم بأن لصوصًا قد اختطفوه وقتلوه، وسيكذبون عليه بأنهم وجدوا قميصه ممزقًا.
نجوى إخوة يوسف عندما ذهبوا إلى مصر: عندما ذهب إخوة يوسف إلى مصر لشراء القمح، تهامسوا فيما بينهم بأن يوسف لا يزال حيًا ويعمل عند عزيز مصر، واتفقوا على عدم إخبار يعقوب بذلك خوفًا من أن يطلب منهم إحضاره.
أسباب النجوى في قصة سيدنا يوسف
لجأ إخوة يوسف إلى النجوى لأسباب متعددة، منها:
إخفاء جريمتهم: أرادوا إخفاء جريمتهم في التخلص من أخيهم يوسف عن أبيهم يعقوب، خشية غضبه عليهم.
الحفاظ على سمعتهم: خافوا من أن ينكشف أمرهم ويتهموا بالتآمر على يوسف والتخلص منه، مما سيضر بسمعتهم وسمعة والدهم.
تجنب العقوبة: كانوا يعلمون أن يعقوب سيغضب عليهم بشدة إذا عرف الحقيقة، وقد يعاقبهم، ففضلوا إخفاء الأمر.
دروس وعبر من أسرّوا النجوى في قصة سيدنا يوسف
تقدم قصة أسرّوا النجوى في قصة سيدنا يوسف العديد من الدروس والعبر، منها:
خطورة النميمة والغيبة: فالنجوى غالبًا ما تكون مرتبطة بالنميمة والغيبة، والتي تؤدي إلى الخلافات والشقاق بين الناس.
عواقب إخفاء الحقيقة: يؤدي إخفاء الحقائق إلى عواقب وخيمة، فقد تظهر الحقيقة في وقت لاحق وتكون لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع.
أهمية الشفافية والوضوح: يجب أن يكون الناس صريحين وواضحين في تعاملاتهم، وأن يتجنبوا النجوى والسرية التي قد تؤدي إلى سوء الفهم والمشاكل.
النجوى في القرآن الكريم والسنة النبوية
ورد ذكر النجوى في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع كثيرة، منها:
النجوى مع الله تعالى: يحث القرآن الكريم على النجوى مع الله تعالى والتوسل إليه والدعاء إليه في الخفاء، كما قال تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً”.
النهي عن النجوى بالسوء: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى بالسوء، وقال: “إِيَّاكُمْ وَالنَّجْوَى، فَإِنَّ النَّجْوَى تُنْبِتُ النِّفَاقَ”.
استثناء النجوى في بعض الحالات: أجاز النبي صلى الله عليه وسلم النجوى في بعض الحالات، مثل النجوى بين الزوجين أو النجوى للصلح بين الناس.
النجوى في علم الاجتماع
تناول علم الاجتماع موضوع النجوى ودورها في العلاقات الاجتماعية، وخلص إلى أن النجوى لها آثار سلبية على العلاقات الاجتماعية، فهي تؤدي إلى:
إضعاف الثقة: فالنجوى تؤدي إلى انعدام الثقة بين الأفراد وخلق أجواء الشك والريبة.
تكوين الجماعات المنغلقة: تؤدي النجوى إلى تكوين جماعات مغلقة ومنعزلة عن الآخرين، وتقوية روابط الولاء داخل الجماعة على حساب الولاء للمجتمع ككل.
عرقلة التواصل الفعال: تؤثر النجوى على التواصل الفعال بين الأفراد، فتصبح العلاقات مبنية على الشك والتكهنات بدلاً من الوضوح والشفافية.
النجوى في ثقافات الشعوب
تختلف النجوى في ثقافات الشعوب المختلفة، ففي بعض الثقافات تُعتبر النجوى أمرًا طبيعيًا ومقبولًا، بينما تُعتبر في ثقافات أخرى أمرًا غير مرغوب فيه أو غير أخلاقي.
الثقافات التي تقبل النجوى: في بعض الثقافات، يُنظر إلى النجوى على أنها وسيلة للتواصل الخاص والتعبير عن المشاعر أو الأسرار، ويُسمح بها في الأماكن العامة والخاصة.
الثقافات التي ترفض النجوى: في ثقافات أخرى، يُنظر إلى النجوى على أنها أمر غير محترم أو غير أخلاقي، ويُعتقد أنها يمكن أن تؤدي إلى النميمة والغيبة، ويُمنع عادةً في الأماكن العامة.
خاتمة
تتناول الآية الكريمة “فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى” موضوع النجوى ودورها في العلاقات الاجتماعية. وتعتبر قصة سيدنا يوسف مثالًا واضحًا على عواقب النجوى السلبية وخيانة الأمانة، كما تؤكد على أهمية الشفافية والوضوح في التعاملات بين الناس. وتدعو هذه الآية إلى إعلاء قيم الصدق والنزاهة وتجنب الغيبة والنميمة التي تضر بالمجتمعات والأفراد.