( حكم السؤال بالله جائز صح أم خطأ )
حكم السؤال بالله
السؤالُ باللهِ هو من أعظمِ العباداتِ وأجلِّها، وهو أحدُ أشهر أنواعِ اليمين، وقَدْ أجمعَ العلماءُ على جوازِه مطلقًا، وهو مندوبٌ إليه في مواضعَ كثيرةٍ، ولكنَّ المسلمَ يحرمُ عليه السؤالُ باللهِ إذا كان كذبًا أو افتراءً أو لغوًا، فإنَّه يقعُ في الإثمِ بذلك.
الأدلةُ على جوازِ السؤالِ باللهِ
1- قولهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]، وقدْ ذُكرَ في هذه الآيةِ الكريمةِ الأمرُ بالحكمِ بين الناسِ بالعدلِ، وهذا يتطلبُ السؤالَ باللهِ لمعرفةِ الحقِّ.
2- ومن الأدلةِ أيضًا قولهُ تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81]، وقدْ أقرَّ الأنبياءُ بهذا الميثاقِ، وأشهدوا اللهَ على أنفسهم.
3- ومن الأدلةِ أيضًا ما وردَ في السنة النبويةِ، فروى البخاريُّ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: “السَّائلُ باللهِ السَّائلُ بحقِّهِ، إلا أنَّه يحلفُ باللهِ كاذبًا”.
الشروطُ الواجبُ توافرُها في السؤالِ باللهِ
- أن يكونَ السؤالُ بحقٍّ، فلا يجوزُ السؤالُ باللهِ في باطلٍ.
- أن يكونَ السائلُ صادقًا في سؤاله، فلا يجوزُ أن يحلفَ كذبًا.
- أن يكونَ السؤالُ في أمرٍ مباحٍ، فلا يجوزُ السؤالُ باللهِ في أمرٍ محرمٍ.
المواضعُ المندوبُ فيها السؤالُ باللهِ
- السؤالُ باللهِ في الدعاءِ، وذلك بأن يُقولَ المسلمُ: “اللهمَّ إني أسألكَ بحقِّكَ وبحقِّ عبادِكَ الصالحينَ”.
- السؤالُ باللهِ في المعاهداتِ والعقودِ، وذلك بأن يُقولَ المتعاقدانِ: “نسألكَ يا اللهَ أن تُشهدَ علينا بما تعاهدنا عليهِ”.
- السؤالُ باللهِ في الشهادةِ، وذلك بأن يُقولَ الشاهدُ: “أشهدُ باللهِ أنَّ فلانًا فعلَ كذا وكذا”.
- السؤالُ باللهِ في القضاءِ، وذلك بأن يُقولَ القاضي للمدَّعى عليهِ: “أُسألكَ باللهِ هل فعلتَ كذا وكذا”.
- السؤالُ باللهِ في غيرِ هذه المواضعَ، وذلك بأن يُقولَ المسلمُ: “اللهمَّ إني أسألكَ باللهِ أن تُرزقني كذا وكذا”.
الأحكامُ المتعلِّقةُ بالسؤالِ باللهِ كذبًا
- أنَّ السؤالَ باللهِ كذبًا حرامٌ، وهو من الكبائرِ.
- أنَّ السؤالَ باللهِ كذبًا يُوجبُ الإثمَ، ولا يُوجبُ العقوبةَ الدنيويةَ، إلا إذا ترتبَ عليهِ ضررٌ على الغيرِ.
- إذا سألَ المسلمُ باللهِ كذبًا، ثمَّ تبيَّنَ لهُ كذبُهُ، فعليهِ أن يتوبَ إلى اللهِ تعالى، ويستغفرَهُ ويتصدقَ.
الخلافُ في حكمِ السؤالِ باللهِ على الغائبِ
ذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى أنَّ السؤالَ باللهِ على الغائبِ جائزٌ، سواءٌ علمَ الغائبُ بذلك أم لم يعلم، واستدلُّوا على ذلك بما يلي:
- أنَّ السؤالَ باللهِ على الغائبِ داخلٌ في عمومِ الأدلةِ الواردةِ في جوازِ السؤالِ باللهِ.
- أنَّ الغائبَ قد يكونُ قادرًا على الإجابةِ، ويكونُ واجبًا عليهِ أن يُجيبَ إذا علمَ بالسؤالِ.
الخلافُ في حكمِ السؤالِ باللهِ على الميِّتِ
ذهبَ جمهورُ العلماءِ إلى أنَّ السؤالَ باللهِ على الميِّتِ جائزٌ، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ السؤالَ باللهِ على الميِّتِ لهُ حكمُ الحلفِ باللهِ عليهِ، والحلفُ باللهِ على الميِّتِ جائزٌ.
وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّ السؤالَ باللهِ على الميِّتِ غيرُ جائزٍ، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ الميِّتَ لا يعقلُ ولا يفهمُ، ولا يمكنُه الإجابةُ، والسؤالُ باللهِ لا يكونُ إلا على من يعقلُ ويفهمُ.
الخلاصةُ
إنَّ السؤالَ باللهِ هو من العباداتِ العظيمةِ المندوبِ إليها في كثيرٍ من المواضعَ، وهو جائزٌ مطلقًا، إلا إذا كان كذبًا أو لغوًا أو افتراءً، فإنَّه يُوجبُ الإثمَ والذنبَ، ولا يجوزُ السؤالُ باللهِ إلا في أمرٍ مباحٍ، ولا يجوزُ السؤالُ باللهِ على الغائبِ أو الميِّتِ إلا على وجهِ النداءِ لا القسمِ.