﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ﴾ تدل الآية على
ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ
تُعد الآية الكريمة “ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ” من الآيات القرآنية العميقة التي تُلقي الضوء على الفرق الجوهري بين متاع الدنيا الفاني وبين ثواب الله الخالد. تقع هذه الآية في سورة النحل (الآية 96)، ويقول فيها الله تعالى:
﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96].
1. متاع الدنيا فاني
يؤكد الجزء الأول من الآية، “ما عندكم ينفد”، على الطبيعة الزائلة لمتاع الدنيا. كل ما يمتلكه الإنسان في هذه الحياة، سواء كان ثروة مادية أو شهرة أو سلطة، هو مؤقت ويمكن أن يتلاشى في غضون لحظات. قد نمتلك الكثير من هذه المتع، لكنها ستنفد في النهاية، تاركة وراءها شعورًا بالفراغ.
الأموال والمتعلقات المادية: لا تدوم الثروات والممتلكات إلى الأبد، ويمكن أن تتلاشى بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب أو التغيرات الاقتصادية.
اللذائذ الجسدية: رغم أنها قد تجلب متعة مؤقتة، فإن الملذات الجسدية تنتهي دائمًا وتترك شعورًا بالرغبة في المزيد.
السلطة والمكانة: يمكن أن تتلاشى السلطة والمنزلة بسرعة بسبب التغيرات السياسية أو صراعات القوة.
2. ثواب الله باقٍ
في المقابل، ينص الجزء الثاني من الآية، “وما عند الله باقٍ”، على الأبدية والبقاء لثواب الله. الأفعال الصالحة التي نقوم بها في هذه الحياة، مهما كانت صغيرة، ستُكافأ في الآخرة بثواب خالد لا ينتهي. هذا الثواب يتجاوز متع الدنيا الفانية ويستمر إلى الأبد.
الجنة: وعد الله للمؤمنين الصالحين بالجنة، مكان النعيم والسرور الأبدي.
رضوان الله: فوق جميع المتع المادية، فإن رضوان الله هو الثواب الأعلى الذي يمكن أن نسعى إليه.
الحياة الأبدية: في الآخرة، ستكون حياة المؤمنين خالية من المعاناة والمرض والموت.
3. أهمية الصبر
تُشدد الآية على أهمية الصبر من خلال وعد الله، “ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”. الصبر فضيلة أساسية تسمح لنا بالثبات في وجه صعوبات الحياة والتحديات. إنه يعلمنا التحمل والمثابرة في سعينا وراء ثواب الله.
الصبر على المصائب: عندما نواجه محن الحياة، يساعدنا الصبر على تحملها دون أن نفقد الأمل.
الصبر على الطاعة: يتطلب القيام بالأعمال الصالحة جهدًا مستمرًا، والصبر يعيننا على الثبات في طاعتنا لله.
الصبر عن المعاصي: الصبر يمنعنا من ارتكاب الذنوب ويحفظنا على طريق الهداية.
4. مكافأة المجاهدين
يوضح الله في الآية أن الصابرين سيُكافأون “بأحسن ما كانوا يعملون”. تعني كلمة “أحسن” أفضل وأكمل. وهذا يعني أن الله سيجازي المؤمنين الصابرين بثواب يتجاوز حتى توقعاتهم.
أجر عظيم: عمل الله واسع، وسيكافئ المجاهدين بكرم غير محدود.
تطهير النفوس: الصبر يساعد على تنقية نفوسنا وتنقيتها من الشوائب.
فوز عظيم: في اليوم الآخر، سيفوز المجاهدون بالنصر الأبدي في الجنة.
5. فضل اليقين
تُذكرنا الآية بأهمية اليقين بالله. عندما نؤمن بأن ما عند الله باقٍ، فهذا يساعدنا على تحمل صعوبات الحياة والصبر على المحن. اليقين يعطينا الأمل والقوة لمواجهة التحديات.
اليقين بالله: الاعتقاد الراسخ بالله ووعوده هو أساس اليقين.
اليقين بالآخرة: اليقين بأن الآخرة حقيقة يجعلنا نركز على الأمور الأهم.
اليقين بالعدل الإلهي: الثقة بأن الله عادل وينصف المظلومين.
6. حكمة الآية
تحتوي الآية على حكمة عظيمة ودروس قيمة يمكن تطبيقها في حياتنا. فهي تذكرنا بأن نعتز بالأشياء التي لها قيمة أبدية، وأن نتخلى عن التعلق بالممتلكات الفانية. كما تشجعنا على التحلي بالصبر واليقين، لأنها الصفات التي تؤدي إلى ثواب الله.
الحكمة في الدنيا: تساعدنا الآية على تقدير الحياة الدنيا وقضاءها في الأعمال الصالحة.
الحكمة في الآخرة: تذكرنا الآية بأن الاستثمار الحقيقي هو في الأعمال الصالحة التي ستعود علينا بالفائدة في الآخرة.
الحكمة في التوازن: تدعونا الآية إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الحياة الدنيا والسعي إلى ثواب الله الأبدي.
الخلاصة
في الختام، فإن الآية الكريمة “ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ” هي تذكير عميق بالطبيعة الزائلة لمتاع الدنيا والإبدية لثواب الله. يجب أن يحفزنا هذا على الصبر واليقين والعمل الجاد من أجل الآخرة. إن فهم واستيعاب دروس هذه الآية يمكن أن يغير حياتنا ويقودنا إلى طريق النجاة والفوز الأبدي.